ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول: سمعتُ أنَّ هناك صلاة اسمها صلاة الزوال، فما هي؟ وما فضلها؟ وكم عدد ركعاتها؟ وهل هي سُنَّة الظهر القَبلية أم هي سُنَّة مستقلة؟
صلاة الزوال
وقالت دار الإفتاء في إجابتها على السؤال، إن الشرع الشريف قد حث على الإكثار مِن النوافل، ورغَّب فيها، ورتَّب على ذلك الأجر العظيم؛ إذ الإكثار مِن النوافل سبب في قُرب العبد من ربه ومحبة الله تعالى له.
كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ» أخرجه البخاري.
قال العلامة المُظهِري الحنفي في "المفاتيح في شرح المصابيح" (3/ 137، ط. دار النوادر): [مثال الـمُؤدِّي للفرائض والنوافل جميعًا كمَن عليه دَينٌ لأحدٍ، فإذا أدَّى دَيْنَه موفرًا كاملًا عن غير مَطْلٍ يحبُّه، ولو أدَّى دَينه وزادَ عليه شيئًا من ماله غيرَ ما وجب عليه لا شكَّ أنَّ آخِذَ الدَّيْن أشدُّ حُبًّا له بأخذ الدَّين والشيءِ الزائد من أخذ الدَّين، فكذلك مَن أدَّى فرائضَ الله تعالى يحبُّه الله، ومَن أدَّى الفرائضَ والنوافلَ يزيدُ حبُّ الله له، فبقدرِ ما زاد من النوافل يزيدُ حبُّ الله له، حتى صار عبدًا مُخلصًا مُرْضِيًا لله تعالى] اهـ.
وذكرت دار الإفتاء أنه يدخل ضمن هذه النوافل بهذا الفَضْل السابق: "صلاة الزوال"، أو "سُنَّة الزوال"، وقد اختلف الفقهاء فيها، هل المراد بها سُنَّة الظهر الراتبة التي تُصلَّى قبله، أم هي سُنَّة مستقلة غير سُنَّة الظهر؟
حكم صلاة الزوال
فيرى الحنفية أَنَّ صلاة الزوال ليست سُنَّة مستقلة، والمراد بها سُنَّة الظهر الراتبة التي قَبْله، وتُصَلَّى بسلامٍ واحدٍ في آخرهن.
قال العلامة المُظهِري الحنفي في "المفاتيح في شرح المصابيح" (2/ 254): [وروي: أنَّه عليه السلام كان يُصلي أربع ركعاتٍ بعد الزوالِ، لا يسلِّمُ إلا في آخرهنَّ، وقال: "إنها ساعةٌ تُفْتَحُ فيها أبوابُ السماءِ فأُحِبُّ أن يصعدَ لي فيها عملٌ صالحٌ"، قوله: "كان يصلِّي أربع ركعاتٍ بعدَ الزَّوَالِ لا يُسلِّمُ إلا في آخرهنَّ، فقال: إنها ساعة تُفْتَحُ فيها أبوابُ السماء"، أراد بهذه الأربعِ سُنَّةَ الظهرِ التي قبلَها] اهـ.
وعمدة استدلالهم في ذلك حديث أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» أخرجه التِّرمِذِي وابن ماجه.
وأوضحت أن الحديث دالٌّ بظاهره على أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسَلَّم كان يُصَلِّي أربع ركعات قبل الظهر ولم يخص ذلك بكونها سُنَّة الزوال، فحُملت على أنها سُنَّة الظهر القَبْليَّة؛ إذ المنصوص عليه أنَّ مِن السنن الرواتب صلاة أربع ركعات قبل الظهر.
ويرى الشافعية أنَّ صلاة الزوال سُنَّة مستقلة غير سُنَّة الظهر، وهي أربع ركعات تُصلَّى بتسليمٍ واحد في آخرهن، وقيل: ركعتان، ووقتها بعد زوال الشمس وقبل صلاة الظهر. ومعنى زوال الشمس: هو ميلها عن وسط السماء جهة الغروب، كما أفاده الإمام ابن حجر الهَيْتَمي الشافعي في "المنهاج القويم" (ص: 70، ط. دار الكتب العلمية).
وقال العلامة الشَّبْرَامَلِّسِي مُحشِّيًا عليه: [(قوله: وصلاة الزوال بعده) أي: فلو قدَّمها عليه لم تنعقد... (قوله: وهي ركعتان أو أربع) وهي غير سُنَّة الظهر كما يُعلم من إفرادها بالذكر بعد الرواتب... قال شيخنا: قال الحافظ العراقي: وممن نص على استحبابها الغزالي في الإحياء في كتاب الأوراد، ليس فيهن تسليم: أي ليس بين كل ركعتين منها فصل بسلام] اهـ.
وقال العلامة ابن حجر الهَيْتَمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/ 233، ط. المكتبة الإسلامية): [وسُنَّة الزوال أربع وهي غير سُنَّة الظهر التي هي أربع أيضًا وكان صلى الله عليه وسلم ربما جمع وربما اقتصر على ركعتين بحسب فراغه صلى الله عليه وسلم واشتغاله] اهـ.
فضل صلاة الزوال
وأشارت دار الإفتاء إلى أن صلاة الزوال عندهم صلاة ذات سبب، فتحصل بصلاة سُنَّة الظهر ما لم ينفها، قال العلامة الشَّبْرَامَلِّسِي في "حاشيته على نهاية المحتاج" (2/ 122، ط. دار الفكر): [ويحتمل عدمُ سَنِّ قضاءِ سُنَّةِ الزوال؛ لتصريحه م ر بأنها ذات سبب، فإذا صَلَّى سُنَّة الظهر حصل بها سُنَّة الزوال ما لم ينفها، قياسًا على ما مَرَّ في تحية المسجد] اهـ. والمقصود بـ (م ر) أي: الشمس الرملي صاحب "النهاية".
ووأضافت أن المفهوم من سياق عبارات فقهاء الحنابلة يوافق ما ذهب إليه الشافعية حيث نصُّوا على أنه يستحب صلاة أربع ركعات قبل الظهر وهنَّ غير سُنَّة الظهر الراتبة، والأربع التي تُصلى قبل الظهر غير السُّنَّة الراتبة هي سُنَّة الزوال.
قال العلامة شرف الدين أبو النجا في "الإقناع في فقه الإمام أحمد" (1/ 146، ط. دار المعرفة): [ويُسَنُّ غير الرواتب: أربع قبل الظهر وأربع بعدها] اهـ.
وعمدة استدلالهم في ذلك حديث أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: أَدْمَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا هَذِهِ الرَّكَعَاتُ الَّتِي أَرَاكَ قَدْ أَدْمَنْتَهَا؟ قَالَ: «إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفْتَحُ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، فَلَا تُرْتَجُ حَتَّى يُصَلَّى الظُّهْرُ، فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا خَيْرٌ» أخرجه الإمام أحمد.
وعلى كل حالٍ فالأمر في ذلك واسع، والصواب في مثل هذا الباب من العبادات وفضائل الأعمال ترك الناس كلٌّ على حسب قدرته واجتهاده، فمن شاء أخذ بمذهب الشافعية والحنابلة وصَلَّى سُنَّة الزوال أربعًا، ومَن شاء أخذ بمذهب الحنفية واقتصر على سُنَّة الظهر القَبليَّة أربعًا وحاز بها الأجر والثواب، والعبرة في ذلك حيث يجد المسلم قلبه، وليس لأحد أن ينكر على الآخر في مثل ذلك ما دام الأمر فيه واسعًا.
وبناءً على ذلك: فإن صلاة الزوال تكون أربع ركعات، تُصلَّى بتسليم واحد في آخرهن، وقيل: ركعتين، تُصلَّى بعد زوال الشمس وقبل صلاة الظهر، قد واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليها، وبشَّر مَن واظب على فعلها بتحريمه على النار، وهذا الباب من فضائل الأعمال والأمر فيه واسع، فمَن شاء قلَّد الشافعية والحنابلة فصَلَّاها وسنة الظهر، ومن شاء قلَّد الحنفية واقتصر على سُنَّة الظهر التي هي عين سُنَّة الزوال فالعبرة في ذلك حيث يجد المسلم قَلبَه.
0 تعليق