تشهد منطقة الشرق الأوسط تطورات لافتة، بعد بروز مؤشرات على تهدئة بين إيران وإسرائيل عقب أسابيع من التصعيد العسكري، غير أن هذا الهدوء الظاهري لا يخفي تساؤلات مقلقة بشأن وجهة التصعيد المقبلة، خاصة في ظل تحركات تشير إلى احتمالية عودة غزة إلى دائرة الاشتباك.
وفي هذا السياق، تحدّث عدد من الخبراء عن ملامح المرحلة القادمة، ورؤية المشهد الفلسطيني، في ظل جهود وساطة ومناورات سياسية وأمنية متسارعة.
الزغبي: هدوء إيران مؤقت.. وإسرائيل تجهز للضغط على غزة
قال الدكتور سعيد الزغبي، أستاذ العلوم السياسية، إن مؤشرات التهدئة بين إيران وإسرائيل بدأت تتبلور من خلال التصريحات المتبادلة والتحركات الإقليمية المكثفة، مشيرًا إلى أن الهدوء الظاهري على الجبهة الإيرانية يطرح تساؤلات حول احتمال نقل المواجهة إلى جبهة غزة.
وأوضح الزغبي أن بوادر التهدئة تتجلى في رسائل غير مباشرة وعروض وساطة من أطراف إقليمية ودولية، لافتًا إلى نشاط دبلوماسي متزايد في الأيام الأخيرة، شمل وساطات أوروبية وخليجية، إلى جانب تقارير إسرائيلية تحدثت عن قنوات خلفية أعيد تفعيلها عبر سلطنة عمان وسويسرا، لتفادي انزلاق المنطقة نحو حرب شاملة.
وأضاف أن توقف بعض الضربات الجوية وتقليص الحشود العسكرية، خصوصًا في القواعد الأمريكية بالخليج، يعكس نية محتملة لدى الأطراف المعنية لإعادة ترتيب الأولويات، مما قد يعيد غزة إلى قلب الحسابات العسكرية.
وتابع: "في ظل الهدوء النسبي مع إيران، هناك مؤشرات ميدانية تفيد بأن إسرائيل قد تكثف عملياتها ضد غزة، حيث تم رصد طلعات استطلاعية متزايدة، واستهدافات محدودة، وتشير مصادر أمنية فلسطينية إلى أن إسرائيل أعادت تقييم أولوياتها، وقد تلجأ إلى تكتيك الضغط المركز على حركتي حماس والجهاد الإسلامي، خاصة بعد تلقيهما دعمًا لوجستيًا وتقنيًا خلال فترة التصعيد الإيراني".
وفيما يتعلق بتأثير التقارب غير المباشر بين طهران وتل أبيب على غزة، أشار الزغبي إلى أن بعض المحللين يعتقدون أن أي تقارب بين الجانبين قد يدفع إيران إلى خفض دعمها العلني للفصائل، وهو ما قد يؤدي إلى تهدئة مؤقتة أو تقليص وتيرة الاشتباك، بهدف إعادة التموضع.
لكنه أشار في المقابل إلى سيناريو أكثر تشاؤمًا، يرى أن إسرائيل قد تستغل انشغال طهران بملفات معقدة مثل الاتفاق النووي والعلاقات مع روسيا والصين، لتوجيه ضربة استباقية لغزة قبل أن تعيد الفصائل ترتيب صفوفها.
كما كشف عن وجود تحرك مصري-قطري مشترك، بغطاء أمريكي "ناعم"، لإعادة إحياء المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل، مع التركيز على ملف الأسرى، كأداة للضغط وتحقيق تقدم في التهدئة الإنسانية، وربما العودة إلى تفاهمات مارس 2025 المتعلقة بإعادة الإعمار ورفع الحصار.
واختتم الزغبي تصريحه قائلًا إن السيناريوهات المطروحة أمام غزة الآن تنحصر بين اتجاهين:
الأول: سيناريو التصعيد من خلال عمليات إسرائيلية محدودة أو موسعة بذريعة منع تعاظم قدرات الفصائل.
الثاني: سيناريو التهدئة المشروطة عبر تقديم تسهيلات إنسانية مؤقتة مقابل ضبط النشاط العسكري للفصائل.
وأضاف: "غزة تقف مجددًا على مفترق طرق حاسم؛ فبينما تهدأ جبهة إيران، تظل الحسابات الأمنية الإسرائيلية تجعل من القطاع ساحة اختبار دائمة، يدفع المدنيون ثمنها أولًا وأخيرًا".
خبير في الشأن الإسرائيلي: ترامب يضغط لوقف إطلاق النار لصرف الأنظار عن الداخل الأمريكي
قال الدكتور أحمد فؤاد أنور، خبير الشؤون الإسرائيلية، إن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يدرك أن الأعباء الداخلية في بلاده ازدادت، في ظل تصاعد الاحتجاجات واستمرار الأزمات الاقتصادية رغم المساعدات الخارجية.
وأضاف أنور: "في المقابل، يبدو بنيامين نتنياهو كورقة محروقة، يلاحقه شبح المحكمة الجنائية الدولية، ويعتمد بشكل كبير على الدعم الأمريكي، حتى بات يؤدي أدوارًا غير ملائمة نيابة عن واشنطن، ويُحمّل جزءًا من الفاتورة الأمنية في المنطقة، باعتبار إسرائيل "شرطي المنطقة" أو أداتها الرئيسية في الشرق الأوسط".
وأكد أن هذا كله يرتبط بشكل وثيق بالقضية الفلسطينية، ولذلك يتوقع أن يمارس ترامب ضغوطًا كبيرة للتوصل إلى وقف إطلاق نار ولو جزئيًا، أو إحراز تقدم في ملف الأسرى والمحتجزين على مراحل، بهدف تحقيق انتصار إعلامي يصرف الأنظار عن أزماته الداخلية.
واختتم تصريحه قائلًا: "نحن بصدد مرحلة جديدة، خاصة بعد زيارة وفد حماس إلى القاهرة، والخسائر التي ألحقتها المقاومة الفلسطينية بـ جيش الاحتلال منذ بداية يونيو، والتي شملت سقوط ضباط وضباط صف".
0 تعليق