في بلدٍ يُعد متحفًا مفتوحًا لحضارات سبعة آلاف عام، لم تكن حماية الآثار مجرد ترف قانوني، بل ضرورة وجودية، تحمي ذاكرة وطن من عبث التنقيب غير المشروع وتهريب الكنوز إلى الخارج.
ومن هنا، جاء قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 والمعدل بالقانون رقم 91 لسنة 2018، ليضع حدًا حاسمًا لكل من تسوّل له نفسه العبث بهذا الإرث الحضاري.
القانون لا يكتفي بحظر التنقيب والاتجار، بل يُصنّف تلك الأفعال كـ جرائم لا تسقط بالتقادم، انطلاقًا من المادة 49 بالدستور المصري، التي تُلزم الدولة بحماية آثارها وصيانتها، وتُحرّم الإهداء أو المبادلة أو التفريط في أي جزء منها.
ويُشدد القانون على أن كل عقار أو منقول أنتجته الحضارات عبر العصور يُعد أثرًا إذا مرّ عليه أكثر من 100 عام وله قيمة تاريخية أو فنية، ما يجعل نطاق الحماية واسعًا لا يقتصر فقط على المعابد والتماثيل، بل يشمل أيضًا العملات والمخطوطات والمبانى القديمة.
وعلى مستوى العقوبات، لا يترك القانون ثغرة للهروب. فـ عقوبة سرقة أثر أو التنقيب غير المرخص تصل إلى السجن بين 5 و7 سنوات، وغرامة تصل إلى 50 ألف جنيه، وتُضاعف العقوبة إذا كان الجاني موظفًا عامًا أو من العاملين بمجال الآثار، لتصل إلى الأشغال الشاقة المؤقتة وغرامة تبدأ من 5 آلاف وتصل إلى 50 ألف جنيه.
كما يُجرّم القانون أي أعمال تشويه أو تغيير في معالم الأثر، أو فصله عن موقعه الأصلي، باعتبارها اعتداء مباشر على التاريخ الوطني وممتلكات الشعب.
في مواجهة مافيا تهريب الآثار وتجار الظلام، يمثل هذا القانون درعًا حاسمًا في معركة الحفاظ على هوية مصر الثقافية، لكنه لن يكون كافيًا دون وعي شعبي مستنير يرفض تحويل التاريخ إلى سلعة. فالحفاظ على الآثار لا يُختزل في نصوص قانونية، بل هو مسؤولية جماعية تبدأ من المواطن وتنتهي عند الدولة.
0 تعليق