افتتح الدكتور سلامة جمعة داود، رئيس جامعة الأزهر، فعاليات المؤتمر العلمي الدولي الرابع لكلية اللغة العربية بإيتاي البارود محافظة البحيرة، والذي يقام تحت عنوان: «الثقافة العربية في القرن الخامس إلى القرن العاشر من الهجرة» الذي يقام برعاية الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وحضور الدكتور رمضان الصاوي، نائب رئيس الجامعة للوجه البحري، والدكتور يوسف عبد الوهاب، عميد الكلية رئيس المؤتمر، والدكتورة جيهان ثروت، الأمين العام المساعد للوجه البحري بطنطا.
وبدأ المؤتمر بالسلام الوطني، ثم تلاوة آيات من القرآن الكريم، وخلال كلمته نقل الدكتور سلامة جمعة داود، رئيس الجامعة، للحضور تحيات فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخِ الأزهرِ الشريف، مشيدًا بجهود فضيلته في جمع كلمة المسلمين تحت راية واحدة.
ووجه رئيس الجامعة التحية لصمود أهل غزة التي يُظلم أهلها منذ ما يقرب من عامين من آلة البطش الصهيوني الهمجي على مرأى من العالم ومسمع دون أن يرحمها العالم الذي يزعم أنه متحضر، لافتًا أن الحرية لا تنال إلا بالتضحية والفداء.
وأوضح رئيس الجامعة أن الثقافة العربية بحر محيط متلاطم الأمواج، ويتعذر الإحاطة به في قرن واحد من الزمان، فكيف بستة قرون كانت ملأى تَغَصُّ بالعلماء والنوابغ في كل علم وفن، وعلومُ العربية من أوسع العلوم، والمؤلفاتُ فيها عدد نجوم السماء.
وبيَّن رئيس الجامعة أنه حاول أن يجمع ما بين يديه مما دنا من متناوَلُه في مكتبته الصغيرة المتواضعة فكان الأمر صعبا جدا، موضحًا أن عالما واحدا من نوابغ هذه القرون حقيقٌ وحده أن يكون مادة خصبة لمؤتمر علمي، تُقَدَّمُ فيه الرؤى والدراسات المتأنية، وتنهض على شرف خدمة تراثه جمهرة من البحوث والدراسات الجادة، فهل ترى الإمام المتفرد عبد القاهر الجرجاني المتوفى سنة 471 هـ مؤسس علم البلاغة تحيط بجوانب العظمة في فكره بحوثُ مؤتمر واحد؟ وقُلْ مثل ذلك في العلامة جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 هـ الذي ترك نحو ستمائة مؤلَّف، كثيرٌ منها في الثقافة العربية،
وقل مثل ذلك في العلامة أبي الفرج ابن الجوزي المتوفى سنة 597 هـ الذي قالوا عنه: إنه ترك نحو خمسين ومائتي كتاب، وقل مثل ذلك في العلامة أبي بكر الباقلاني المتوفى سنة 403 هـ، ذكر أبو الأشبال الأستاذ المحقق الكبير السيد أحمد صقر في مقدمة تحقيق كتاب: «إعجاز القرآن» أن الباقلاني هو الذي قالوا عنه: إنه هو المجدد على رأس المائة الرابعة من الهجرة، وكان من عادته أنه إذا صلى العشاء وقضى وِرْدَه وضع دواتَه بين يديه، وكتب خمسا وثلاثين ورقة، فإذا صلى الفجر دفع إلى بعض أصحابه ما صنفه ليلته، وأمره بقراءته عليه، وأملى عليه من الزيادات ما يلوح له، وألف نيفا وخمسين كتابًا لم يصل إلينا منها إلا عدد قليل.
وأشار رئيس الجامعة أنه ظهر في هذه القرون عدد من الموسوعات الكبرى في الثقافة العربية، كل موسوعة منها قام بها مؤلِّفُ واحد، ولو اجتمعت في زماننا هذا لجنة ذات عدد من المؤلفين ما أطاقت أن تنجز موسوعة واحدة منها، وهذا دليل على علو همم علماء هذه الموسوعات وصدقهم وعكوفهم وانقطاعهم للعلم حتى بارك الله تعالى لهم في الوقت والعمر والعلم والعمل، فخلدوا للأجيال هذه الموسوعات التي تفتخر بها المكتبة العربية وتفاخر، ومن هذه الموسوعات: «صبح الأعشى في صناعة الإنشا» لأبي العباس القلقشندي المتوفى سنة 821 هـ الذي يقع في أربعة عشر مجلدا وهو من أجمع الموسوعات الأدبية والتاريخية والاجتماعية للأمة العربية، وكان القلقشندي مهموما برفع مستوى الكتاب الذي تردى في زمانه وهو في زماننا هذا أكثر ترديا ، حتى قال عبارته المشهورة: «لقد ظهر في زماننا كتاب لو أنصفوا لردوهم إلى الكتاب».
وأوضح رئيس الجامعة أن إرثنا الثقافي فيه كتب تدور حول موضوع واحد أو تجمع أبوابا متشابهة، ولكنها مع ذلك كما قال علماؤنا لا يغني فيها كتابٌ عن كتاب؛ لأن كل كتاب ينفرد بأشياء لا توجد في غيره، والقارىء اللبيب هو من يفطن إلى هذه المبتكرات التي ينفرد بها كل كتاب ويجعلها في سويداء قلبه، ويحاول أن يبني عليها ويخطو بعدها خطوة أو خطوات، حتى نملأ الفجوات التي تركها لنا من قبلنا من العلماء، وقضوا نحبهم وبادرهم الأجل ولم يفتحوا أبوابها ويعبدوا دروبها، وهكذا يتلقى الخلف الراية من السلف.
وأوضح رئيس الجامعة أنه إذا خرجت جامعاتنا من كلياتها ومؤتمراتها ومحاضراتها ومسامراتها بتوصية واحدة هي: "إنتاج المعرفة" فقد خرجنا بيد ملآى بالخير كله؛ لأن إنتاج المعرفة هو قاطرة التقدم وامتلاك القوة في العلم، ورحم الله الشيخ الغزالي الذي قال: «إن درسا في الكيمياء عبادة خاشعة لله».
0 تعليق