21 يونيو 2025, 2:40 مساءً
في عالم يتغير بشكل متسارع، أصبحت بيئة العمل مليئة بالتحديات، والتوقعات، والتغيرات المستمرة. ومع هذه المتغيرات الكثيرة والمقلقة أحيانا، يبرز التكيف الوظيفي كعنصر أساسي لتحقيق الأداء المتميز والمحافظة على الصحة النفسية للموظف واستقراره المهني. لكن هذا التكيف لا يبدأ من الخارج، بل من الداخل، ومصدره الرئيسي الرضا عن الذات.
إن الرضا عن الذات هو الأساس الذي يرتكز عليه كل نجاح مهني. فالشخص الذي يدرك قدراته، ويتقبل نقاط ضعفه، ويسعى باستمرار لتحسين نفسه يكون أكثر قدرة على مواجهة ضغوط العمل والتحديات اليومية. هذا الرضا يعطي الموظف طاقة داخلية تدفعه للعمل والعطاء، وتجعله يرى الصعوبات كفرص للتعلم لا كعوائق تعرقل مسيرته المهنية. بينما من يعاني من صراع داخلي أو احتقار للذات سيفقد المتعة الوظيفية والتركيز وتتراجع إنتاجيته حتى ولو كانت بيئة العمل مثالية.
عندما يحقق الإنسان هذا الرضا الداخلي، يصبح التكيف مع بيئة العمل ممكنًا ومثمرًا. كلنا نعلم بأن بيئة العمل لا تكون دائمًا وفق التوقعات، وقد تكون الإمكانيات محدودة أو الإدارة غير مرنة، لكن الموظف المتزن يُدرك أن المثالية غير موجودة والكمال التام مستحيل، لذا فإنه يقوم باستثمار الإمكانيات المتاحة بأفضل صورة ممكنة ويتعايش مع الموجود والمتاح.
التكيف لا يعني الاستسلام أو الرضا بالوضع كما هو، بل يعني المرونة والواقعية، والعمل على تحسين الأداء ضمن الحدود الممكنة.
هذا النوع من التكيف يسهم تدريجيًا في بناء علاقات مهنية إيجابية مع الزملاء. فحين يكون الشخص متوازنًا داخليًا، ومتقبلًا لبيئة العمل، يصبح أكثر قدرة على التعامل والتفاهم، ولا يدخل في صراعات مع الآخرين. وهذا يقود إلى التوافق المهني والاجتماعي، حيث يسود الاحترام والتعاون، بدلاً من المشاكل والتنافس السلبي أو العزلة عن فريق العمل. فبيئة العمل الصحية لا تُبنى فقط من الإدارة، بل من الموظفين أنفسهم، الذين يشكلون ثقافة المكان بسلوكياتهم ومواقفهم.
ومن المهم أن نؤمن جميعا أنه لا توجد بيئة عمل مثالية. لا بد من وجود منغصات وصعوبات، سواء في طريقة الإدارة، أو في قلة الموارد، أو حتى في سلوك وطباع بعض الزملاء. فالتكيف لا يعني تجاهل هذه المشكلات، بل يعني التعامل معها بوعي وذكاء عاطفي. ما يمكن تغييره يجب العمل على تغييره بالحوار والتخطيط، أما ما يصعب تغييره، فلابد من التعايش معه والتكيف بشكل إيجابي حتى لا يتحول إلى مصدر دائم للتذمر والتوتر.
أحيانًا لا يكون التحدي في صعوبة البيئة بل في نظرتنا إليها. فقد يرى أحدهم ضغط العمل كعبء وألم وإرهاق، بينما يراه آخر كفرصة لإثبات الذات والقدرة على تجاوز الصعوبات. هذه النظرة مرتبطة بدرجة نضجنا الذاتي، وتقبّلنا لفكرة أن الحياة المهنية ليست مفروشة بالورود، بل تحتاج صبرًا، ومرونة، وقدرة على ضبط النفس.
إن التكيف الوظيفي ليس ضعفًا أو تنازلًا، بل قوة داخلية وذكاء عاطفي، يتيح للموظف أن يعمل بأقصى قدراته ضمن الإمكانات المتاحة، ويتعايش مع الصعوبات دون أن يفقد حماسه أو شغفه. مهم أن نتذكر المقولة الجميلة التي تقول ( إذا عملنا ما هو ممكن اليوم أصبح مستحيل اليوم ممكن غدا بإذن الله). ومن هنا، يصبح التكيف حجر الأساس للأداء المتميز، والاستقرار المهني والنفسي.
0 تعليق