فقدان الوظيفة... بداية لوعي مختلف - لايف نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تم النشر في: 

30 يونيو 2025, 2:45 مساءً

فقدان الوظيفة لا يُقاس بما كُتب في البريد الإلكتروني، ولا بما قيل في المكالمة. أحياناً يأتي القرار من جهة عليا تُعيد هيكلتها، أو تُغلق أبوابها فجأة، وأحياناً يكون قرارك الشخصي حين تشعر أن البقاء يستنزفك أكثر من المغادرة.

في الحالتين، يبقى الشعور واحداً. فراغ ثقيل في منتصف اليوم، حين تكون فجأة بلا جدول، بلا وجهة، تسأل نفسك بهدوء مؤلم: ثم ماذا؟

ما لا يُقال كثيراً هو أن هذه التجربة لا تتعلق بالراتب وحده، بل بشيء أعمق، بشعورك بالانتماء لما تفعله، وللمكان الذي تنتمي إليه كل صباح.

كنت تعرف أين تذهب، وماذا تفعل، ولمن تُجيب.

كنت تمارس حضورك في الحياة بطريقة مفهومة.

وحين اختفى هذا الإطار، شعرت كأنك تُسحب للخلف دون تحذير، وسط صمت لا يقدّم أي إجابة.

القلق لا يأتي فقط من فقدان الدخل، بل من فقدان الإجابة عن السؤال: من أنا الآن؟

وهذا السؤال مشروع، بل طبيعي.

في علم النفس، تُصنَّف الوظيفة كواحدة من أهم عناصر الهوية والدور الاجتماعي، وعند فقدها يمرّ الإنسان بمراحل تشبه إلى حد كبير مشاعر الفقد والحزن، تبدأ بالإنكار، ثم الغضب، ثم الحزن، وأحياناً العزلة أو الشعور بالذنب.

وقد تظهر هذه المشاعر حتى لو لم يكن العمل مثالياً، لأن العقل البشري يرتبط بالاعتياد، ويخاف من المجهول، ويترجم التغيير المفاجئ كتهديد للأمان الشخصي.

وليس دائماً ما تكون الصعوبة في الفقد نفسه، بل في نظرة المحيطين. أسئلة الناس، تعليقات الأقارب، نظرات الشفقة أو الاتهام، أحياناً تؤلم أكثر من التجربة ذاتها، وكأنك مطالب بتفسير ما لا يحتاج تفسيراً، أو إثبات جدارتك فقط لأنك الآن خارج السياق المعتاد.

هذه الضغوط الاجتماعية لا تعبّر عنك، بل تعكس تصورات غير مكتملة عن النجاح. تذكّر دائماً أن خروجك من العمل، سواء بقرار منك أو من الجهة التي كنت تعمل بها، لا يعني أنك فقدت احترامك لنفسك.. إلا إذا صدّقت ما يُقال.

كأخصائية نفسية، أقول لك بثقة إن الشعور بعدم الثبات، القلق من المستقبل، والشك في الذات ليست مؤشرات ضعف، بل استجابات طبيعية لحالة انتقالية، وتدل على أنك حاضر مع نفسك، تُدرك ما تمر به، حتى لو لم تعرف بعد كيف تتعامل معه.

وهنا، من المهم أن نعيد تعريفنا للعمل. العمل ليس هو كلّك، بل هو أحد أدوارك. الوظيفة ليست مقياساً نهائياً للنجاح، بل مرحلة ضمن رحلة أطول. وربما ما حدث الآن، هو فقط فتح لباب كان يجب أن يُفتح، حتى لو بدا قاسياً في البداية. حين تترك خلفك كرسي العمل، ولو مؤقتاً، لا تتوقف الحياة. بل تبدأ مسؤوليات جديدة، وقد تكون أثقل من سابقتها، لكنها تحتاج منك وعياً لا استعجالاً. مسؤوليتك اليوم أن تحافظ على توازنك النفسي، أن تُعيد ترتيب مصروفاتك اليومية بهدوء، أن تُنظّم وقتك كي لا يذوب في الفراغ، وأن تحمي علاقاتك من أن تتأثر بتقلباتك المؤقتة.

إن كنت تتحمّل مسؤولية أسرة، وأعين من تحبّهم تتجه نحوك، فرفقك بنفسك أولى من إثباتك لبطولتك، وإن كنت وحدك، فأنت مطالب بالرفق لا بالعزلة. فقدان الوظيفة لا يعني فقدان السيطرة، بل انتقالك من إدارة المهام إلى إدارة الذات. فكّر في ما هو ممكن اليوم فقط لا أكثر. وجرّب أن تكون عادلاً مع نفسك كما كنت مع الآخرين.

ولأن كل فقد يحمل بداخله بذرة لبداية... لا أعدك بأن الألم سيزول فوراً، ولا أن الطريق سيفتح أبوابه كلها دفعة واحدة، لكني أعلم بيقين بسيط وصادق أن الإنسان لا يتوقف عند نقطة فقد، بل يبدأ منها بشكل جديد، حتى لو تأخر الفهم، وتأخرت البدايات.

ملك الحازمي

منصة اكس/@Malak_mah

https://x.com/malak_mah?s=11

أخبار ذات صلة

0 تعليق